صحيفة مملكة البحرين الاسبوعيه
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


الحقيقه نور على طريق الهدايه
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 رواد السجون

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
جعفر الخابوري
Admin
جعفر الخابوري


المساهمات : 125
تاريخ التسجيل : 01/05/2012

رواد السجون Empty
مُساهمةموضوع: رواد السجون   رواد السجون I_icon_minitimeالخميس مايو 23, 2013 8:22 pm

رواد السجون


قاسم حسين ... كاتب بحريني
Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com
تصغير الخطتكبير الخط


من الكتب القليلة التي أعود لتصفحها بين فترةٍ وأخرى، كتاب «لمحات من تاريخ العالم»، وهو عبارة عن رسائل كتبها الزعيم الهندي جواهر لال نهرو إلى ابنته أنديرا غاندي وهو في السجن في الثلاثينيات.

كان نهرو يريد أن يقدّم موجزاً لتاريخ الشعوب لابنته الصغيرة، لتتجاوز بتفكيرها حدود الهند إلى أفق العالم، وكانت في حدود الخامسة عشرة، وكان يخشى أن تتجاوز هي معلوماته بعد فترةٍ من الزمن عندما تشب وتقرأ.

كان نهرو يحاول جاهداً تجنّب ظهور مسحة عاطفية على رسائله تلك، لكنه كان أباً يحمل حباً كبيراً لأسرته. وحين أقدم الاستعمار البريطاني على اعتقال زوجته، كتب رسالةً ساخرةً مواسياً ابنته التي بقيت وحيدةً على ضفة النهر، بينما يقبع هو في سجن وزوجته في سجن آخر.

السجن من أسوأ الأنظمة القذرة التي ابتدعها البشر لتعذيب بني جلدتهم، وامتهان كرامتهم ومحاولة إذلال معارضيهم. وقد حفل التاريخ، وخصوصاً تاريخنا العربي، بالكثير من العبر التي يتحوّل فيها السجّان إلى سجين، والجلاد إلى ضحية، فـ «الدنيا دول» كما كانوا يقولون.

أنظمة السجن حتى في بريطانيا كانت قذرةً، وفي عموم القارة الأوروبية أيضاً حتى القرن التاسع عشر، وقد كافح عشرات الكتّاب والمفكّرين من أجل تغيير هذه المنشآت القذرة، ووصفها بعضهم ببيوت الموتى، استبشاعاً لهذه الأنظمة التي تقتل روح الانسان. وإن كان هناك من مؤيّدين للسجن خصوصاً لمكافحة الإجرام، إلا أن السؤال الذي ينبغي أن تطرحه البشرية على نفسها بين فترة وأخرى: هل استطاع هذا النظام البربري البشع الحدّ من الجرائم في مختلف مجتمعات الأرض؟ وهل من الصحيح استخدامه ضد المعارضين السياسيين وأصحاب الرأي؟

كتاب نهرو الذي كنت أقرأ منه فصولاً بين سنة وأخرى، بات اليوم يثير في النفس مشاعر أخرى. فلا يمكنك أن تقرأه بمعزلٍ عن الأحداث والضحايا من حولك. فأنت في بلدٍ صغيرٍ، تعرّض لهزةٍ سياسيةٍ كبرى قبل عامين، ومازالت ارتداداتها تتفاعل على الأرض. وقد أصبح من الصعب أن تقرأ عن أنديرا دون أن تلوح أمامك وجوه مريم وملاك ويارا وفاطمة وأسيل وزينب وسارة.

الجميع يعرف الآن ما نتج عن هذه الهزة الكبرى، من فصل آلاف من أعمالهم، وسجن وتعذيب آلاف أخرى، خلال العامين الماضيين. وهناك أحكامٌ خشنة تترى تصدر ضد قوى المعارضة، من أعمار مختلفة، أكثرهم من الشباب.

بعد السجن، يفترض أن تُرفع الأغلال ويتوقف الإيذاء عن السجناء المحكومين، ويُسمح لهم بحياةٍ طبيعيةٍ أو شبه طبيعية، ولا ينبغي أن يستمر السجن في الاستخدام كطريقةٍ لإذلال المعارضين أو التشفي والانتقام منهم. السجن في عرف الأمم المتحضرة، مؤسسةٌ إصلاحية، وليس أداة قمعٍ وقهرٍ وإذلال.

ضحايا السجون اليوم يشكلون قاعدةً عريضةً تصل إلى أكثر من ألفي سجين، وهو رقمٌ مهولٌ بالنسبة لبلدٍ تعداد مواطنيه في حدود السبعمئة ألف. والأسوأ أن تستمر الشكاوى من أنظمة السجن وإجراءاته، وآخرها فرض لباس معين على السجناء السياسيين، وهو ما لم يكن يُطبّق حتى في سنوات قانون «أمن الدولة».

لا يكفي أن نغيّر اسم «السجن» إلى «إصلاحية»، وإنّما أن يوجد توجّه حضاري شجاع يغيّر واقع السجون البائسة من مقابر إلى مدارس، وأن تنتهي هذه البؤر المظلمة التي توفّر المزيد من الأدلة على استمرار انتهاك حقوق الإنسان والاستهتار بكرامة البشر.

قاسم حسين
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 3911 - الخميس 23 مايو 2013م الموافق 13 رجب 1434هـ
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://hjhfdtfs.yoo7.com
 
رواد السجون
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
صحيفة مملكة البحرين الاسبوعيه :: مجلة اقلام-
انتقل الى: