المسلم يقتل رِدْفَه
قاسم حسين
قاسم حسين ... كاتب بحريني
لا تقل الحصيلة اليومية في البلدان العربية والاسلامية، عن عشرات القتلى ومئات الجرحى، والمأساة أن كل ذلك يحدث في هذا الشهر الكريم.
شهر رمضان المبارك، الذي كان الرسول (ع) يستقبله بخطابه الخالد: «أيها الناس، إنه قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة، شهر هو عند الله أفضل الشهور وأيامه أفضل الأيام، ولياليه أفضل الليالي، وساعاته أفضل الساعات، دعيتم فيه إلى ضيافة الله وجعلتم فيه من أهل الكرامة»... يستقبله مسلمو هذا الجيل بأخبار التفجيرات والعبوات الناسفة، ومقتل وجرح العشرات يومياً، أغلبهم يسقطون قتلى على أيدي مسلمين، وليس على أيدي غزاة وجنود احتلال.
الرسول يدعو في خطبته الشهيرة اتباعه بقوله: «وتصدّقوا على فقرائكم ومساكينكم، ووقّروا كباركم وارحموا صغاركم،...»، بينما استقبله المسلمون في أفغانستان هذا العام بتفجيرات تطيح بـ 17 شخصاً لدى مرور سيارتهم، من بينهم 12 امرأة، وأربعة أطفال، ورجلاً، قتلوا في الانفجار، فضلاً عن سبعة جرحى، بينهم خمسة أطفال. والمحزن أن هذه التفجيرات لم ينفذها جنود الناتو، وإنّما حركة طالبان أفغانستان.
يوم أمس، الخامس عشر من رمضان، شهدت طرابلس الغرب سلسلة تفجيرات، طالت عدة مبان ومجمعات ومبنىً للمحاكم في مدينتي سرت وبنغازي الليبيتين. أما في شرق العالم العربي فشهد العراق في اليوم نفسه سلسة تفجيرات أخرى، استخدمت فيها السيارات المفخخة، والعبوات الناسفة، والأسلحة الرشاشة، وكان اللافت ان الاستهداف موجّهٌ للمدنيين في المطاعم العامة، وضد المساجد التي تستقبل المصلين والصائمين وضيوف الرحمن. ويستمر مسلسل القتل في جولةٍ منظمةٍ، لتدوير العنف، إذ تقوم الجماعات الإرهابية بتفجير مساجد لهذه الطائفة، وفي اليوم التالي مساجد للطائفة الأخرى، في مخططٍ مكشوفٍ لإيقاع الفتنة الطائفية التي كانت تبشّر بها تلك التنظيمات الإرهابية المخترقة أو المستخدَمَة منذ العام 2005.
في سورية حرب طاحنة وشعب جريح ينزف، كان يتطلّع لغدٍ أفضل، فأصبح ضحية لعبة كبرى بين الأمم. وفي مصر التي تخلصت من ستين عاماً من قبضة العسكر، يعود الجيش إلى الواجهة، ويدعو القائد العام للقوات المسلحة الشعب إلى النزول في مظاهرات حاشدة يوم الجمعة لإعطاء الجيش تفويضاً بمواجهة ما وصفه بـ «العنف» و»الإرهاب». وما فعلته الثورة من إخراج الجيش من الباب، أعاده حكم الأخوان الفاشل من النافذة. والأسوأ ما ارتكبه العسكر من عمليات قتل وملاحقات وسجن لأنصار الرئيس المخلوع محمد مرسي، حتى طالت النساء. في إعادة لمنهج الاستبداد، بإعادة استعمال ورقة «شرعية» الشارع الذي أطاح بالنظام «العسكري» القديم قبل عامين.
في خطبته الرمضانية الخالدة، يوصي الرسول (ص) أتباعه قائلاً: «وصلوا أرحامكم واحفظوا ألسنتكم وتحننوا على أيتام الناس حتى يتحنّن على أيتامكم»، وهي وصايا تغيب تماماً عن أبناء هذا الجيل وسياسييه، فمن يقوم بعمليات القتل وسفك الدم الحرام، في الشهر الكريم، هم مسلمون أباً عن جد. لا يقيمون وزناً لكرامة الشهر، ولا يفكّرون بصلة الأرحام والرأفة بالشعوب، ولا بما تخلفه عمليات التفجير من أرامل وأيتام.
إن أغلبية المسلمين يُقتلون اليوم على أيدي مسلمين أمثالهم، بعد أن حوّلوا شهر الرحمة إلى شهر الدماء.
قاسم حسين
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 3974 - الخميس 25 يوليو 2013م الموافق 16 رمضان 1434هـ