الأطباء بانتظار البراءة الكاملة
كانت تبرئة نصف أفراد الطاقم الطبي وإدانة النصف الآخر، صدمةً للموالاة والمعارضة، وللاتحادات الطبية ومنظمات حقوق الإنسان الدولية... وللرأي العام المحلي والعالمي.
المعارضون صدموا لأن التهم كانت (one package) فإذا سقطت بعض أركان الرواية الرسمية سقط بقية البناء. وهو ما أشار إليه المحامون في المؤتمر الذي عُقد بالجمعية البحرينية لحقوق الإنسان السبت الماضي، إذ أكدوا بوضوح أنه لم يكن هناك احتلال لمستشفى السلمانية، ولا تخزين أسلحة ولا احتجاز أسرى ولا تمييز في المعاملة، مما روجه بعض الجهات، وإنما تمت معاقبة هؤلاء الأطباء والاستشاريين بسبب معالجتهم المصابين، التزاماً بالقسم الطبي، وشرف المهنة، والضمير الإنساني.
أعضاء الكادر الطبي الـ 20 في المؤتمر أعلنوا التمسك ببراءتهم التامة من التهم التي لفقت ضدهم، واستنجدوا بالضمير البشري الحي، للوقوف معهم من أجل إلغاء أحكام السجن التي لا يستحقونها، والتحقيق في التعذيب الذي تعرّضوا له وإنصافهم وإرجاع حقوقهم المنتهكة. وقد روى بعضهم كيف تم اختطاف أغلبهم خلال مداهمات منازلهم ليلاً، وجاءت تصريحاتهم متوافقةً مع ما أكده تقرير بسيوني من تعرضهم للتعذيب الممنهج.
عضو هيئة الدفاع عن الكادر الطبي المحامية جليلة السيد قالت إن السلطات وقعت في مأزق حين قرّرت اعتقال الأطباء، ووقعت في مآزق أخرى حين لفقت لهم تهماً مثل حيازة الأسلحة واستمرت في محاكمتهم. وقال المحامي حميد الملا إن السلطات كان بإمكانها الخروج من هذا المأزق لو حكمت بالبراءة.
قضية الكادر الطبي ستبقى جدليةً، وتثير الكثير من التساؤلات والأشجان أمام الضمير الوطني البحريني لأمدٍ طويل. ولسوف تتساءل الأجيال المقبلة: كيف سمح الجيل الذي عاش في مطلع الألفية الثالثة، بتحويل أطباء عالجوا جرحى ومصابين بالرصاص إلى جريمةٍ يؤاخذ عليها القانون؟ وكيف سيقت نخبة الأطباء والاستشاريين في أكبر مجمع طبي حكومي، إلى المحاكمة بتهمة قتل المصابين ببنما كانوا هم من يتولون عملية إنقاذ حياتهم؟ وكيف روّج وزيران، أحدهما وزير للعدل والشئون الإسلامية والآخر وزيرة للتنمية الاجتماعية (وحقوق الإنسان لاحقاً)، لرواياتٍ مغلوطةٍ، تدين الأطباء قبل مثولهم أمام القضاء، خلافاً للقاعدة الحقوقية التي تقضي ببراءة المتهم حتى تثبت إدانته؟
ستتساءل الأجيال المقبلة: كيف قبلت مجموعة من الأطباء في العام 2011 بالشهادة ظلماً ضد زملائهم، وتثبيت التهم ضدهم، وهم يعرفون في قرارة أنفسهم أنها تهم باطلة؟ فأين ذهب القسم الطبي؟ وكيف تجرأوا على مخالفة القسم على القرآن الكريم أمام المحكمة بقول الحقيقة؟ وكيف وُجِدت طبقةٌ من الأطباء الانتهازيين قبلت بظلم الآخرين وفصلهم من أعمالهم وقطع أرزاقهم واستغلال الفرصة «التاريخية» للقفز إلى مواقعهم الوظيفية؟ وهل من يخون الأمانة وشرف المهنة ويحنث بالقسم ويستهين بالقضاء... هل يبقى أهلاً للثقة والأمانة على حياة المرضى وأسرارهم؟
ما حدث للأطباء ليس مجرد تلفيقٍ وقلبٍ للحقائق، وإنّما استهانةٌ بذكاء هذا الشعب، واستخفافٌ بالقضاء وتضليلٌ للرأي العام. وهو خطأٌ تاريخيٌ فادحٌ لن تمحوه إلا البراءة الكاملة.
قاسم حسين
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 3574 - الأربعاء 20 يونيو 2012م الموافق 30 رجب 1433هـ