تصغير الخطتكبير الخط
يبدو واضحاً أن وزارة التنمية الاجتماعية بدأت تجني ثمار سياساتها المضطربة... فبدأت تجأر بالشكوى وتندب حالها بصوت مرتفع جداً.
من يتابع أداء الوزارة في العقد الأخير، سيكتشف أنها كانت تحاول أن تحل بعض المشاكل التي تواجهها بخلق مشاكل أخرى، وأحياناً لا توجد مشاكل فتقوم هي باختلاقها. وأشهر الأمثلة الكلاسيكية المعركة التي اختلقتها بشأن تبديل اسم «الصناديق الخيرية» إلى «جمعيات خيرية»، واصطدمت برواد العمل الخيري لأكثر من خمس سنوات، أطلقت فيها الكثير من التهديدات، وحوّلتها إلى حربٍ انتقلت بها إلى البرلمان... كل ذلك من أجل استبدال كلمة «صندوق» إلى «جمعية»، دون أن يتغير شيء على جوهر عملها وواقعها وأدائها على الإطلاق.
يومها انتقدنا ذلك، وأرجعناه إلى حالة فراغ إداري، يعيشه طاقم الوزارة، تأثراً برواسب مهنية سابقة بحكم العمل في مدارس إعدادية، تم نقلها بحذافيرها لتطبّق في الوزارة.
اليوم، تتذمّر الوزارة من «عدم فاعلية نصف الجمعيات»، وهي لم تسأل نفسها عن الأسباب، ولا عن دورها في ذلك. فهذه الوزارة، تكرّر حرفياً، أخطاء وزارة التربية
ماذا تريد وزارة التنمية بالضبط؟
والتعليم، التي ساهمت في انتشار الجامعات التجارية بترخيصها وتشجيعها، وحين انفجرت المشاكل بدأت بالتذمر والعويل، ولم تسأل نفسها عن دورها على الإطلاق.
الوزارة –التنمية - فتحت الباب أمام طلبات فتح الجمعيات، وانتشارها دليلٌ على حيوية المجتمع وحبّ العمل التطوعي، لكنه يكشف من جانبٍ آخر أمراضاً اجتماعية، كتحقيق وجاهة اجتماعية أو حب الظهور، وهو كالزبد حيث لا يبقى إلا ما ينفع الناس. لقد وقفتم تراقبون هذه الظواهر تنمو أمام أعينكم وتصفقون لها، وحين تكشفت الحقيقة بدأتم تتذمّرون.
إن عدم فعالية نصف هذه الجمعيات نتيجة طبيعية ومنطقية تماماً، فليس كل ما يلمع ذهباً. الذهب الحقيقي هم أولئك الجنود المجهولون المخلصون الذين يعملون بعيداً عن الشهرة والأضواء، طلباً للرضا الذاتي والأجر وراحة الضمير، وأغلب هذه العناصر تعمل في الصناديق الخيرية والمؤسسات التي تعمل في تنمية المجتمع والرقي بأفراده، في صمتٍ ودون ضجيج. فماذا فعلتم كوزارة؟ لقد حاربتم هذه المؤسسات، ووضعتم أمامها مختلف العقبات والعراقيل، وآخرها فتح حسابات جديدة، والتشديد على جمع التبرعات في أبسط صورها: الحصالات البسيطة التي توزع على البرادات والمخابز الشعبية هنا وهناك. لقد اشترطتم أن تحصل الصناديق على رسالة موافقة على وضع الحصالة من قبل الخباز والبرادة، التي يعمل بها غالباً أميون أو عمال آسيويين، كانوا أكثر تعاوناً مع الصناديق منكم.
شكاوى الصناديق الخيرية من تعقيد الإجراءات كثيرة، ومن يدفع الثمن هم الطبقات الفقيرة المستفيدة من خدمات الصناديق. فالعاملون فيها أغلبهم متطوّعون، يضحون بأجزاء ثمينة من أوقاتهم وراحتهم مع عوائلهم من أجل خدمة الناس، وأنتم تضيفون عليهم أحمالاً إضافية، باشتراطكم مثل الأمور، من رسائل موافقة وتجديد شهري لرخص وضع الحصالات. فماذا سأفعل كمتطوع تفرضون عليّ الخروج من عملي صباحاً لآخذ أذناً لوضع حصالة صغيرة من حضرتكم في أبراجكم العالية وأجددّه كل شهر! أليست هذه أفضل طريقة لتنفير المتطوعين من العمل الخيري؟ أهذه سياسات تنمية؟
نحن نتفهم الضغوط الدولية المفروضة على البلد في مجال تجفيف تمويل المنظمات الإرهابية، لكن الصناديق الخيرية ليست من هذه المنظمات، وحين تضيقون الخناق عليها تكونون استهدفتم العنوان الخطأ. فهذه المؤسسات داخلية، تجمع المال اليسير من الداخل، وتعيد توزيعه على الأسر المحتاجة والطبقات الفقيرة التي تعيش في قاع المجتمع. إنها تقوم بجزء أساسي ومحوري في تنمية المجتمع المحلي ومحاربة الفقر والتخفيف من حدته.
الوزارة تقول إنها ليست في وارد التدخل لحل الجمعيات، كثّر الله خيرها، وتعتقد أن ما تمسيه بـ»الإجراءات العلاجية» التي تنفّذها كافية لذلك! وطريقة علاجها الإعلان بشكل مفاجيء في الصحف عن تعيين «مجلس إدارة جديد» للجمعية، متوهّمةً أن ذلك يشكّل مخرجاً قانونياً لها!
إننا ننظر لما يجري في سياقٍ عام، فبعد الانتهاء تقريباً من مواجهة الجمعيات السياسية والحقوقية والنقابية الأساسية، تم الانتقال إلى الحرب على المؤسسات الخيرية لإضعاف بقية قوى المجتمع المدني، وعلى رأسها الجمعيات الخيرية والتطوعية الأخرى. وعندنا حالة نموذجية، «المرسم الحسيني للفنون»، هذه الجمعية الناشطة التي بدأت فعالياتها قبل 15 عاماً، وكافحت من أجل انتزاع الإشهار الرسمي بها لمدة سبع سنوات، وينتظم في صفوفها أكثر من 250 فناناً من الجنسين، أغلبهم من الشباب، من مختلف مناطق البحرين، ونفذت الكثير من الفعاليات الفنية والجداريات بالتعاون مع المؤسسات الرسمية والأهلية. كيف تعاملتم معها؟
أولاً: حرمتموها من الحصول على مقر رغم التزامها بكافة الشروط القانونية.
ثانياً: حين حصلت على مقرٍ بجهودها الذاتية وبفضل المتعاطفين معها، منعتم توصيل الكهرباء إليها، بحجة عدم وجود قيد، الذي ماتزال الجمعية تطالبكم بإصداره منذ أكثر من عامين وأنتم ترفضون، رغم أن الجمعية مسجّلةٌ رسمياً ومنشور إعلان إشهارها في الجريدة الرسمية.
ثالثاً: إن تصريحكم بأن الوزارة تقوم «بالاجتماع مع مجلس إدارة الجمعيات المقصودة، وحثّها على الدعوة لاجتماع مع جمعيتها العمومية...»، عارٍ عن الصحة، فلم توجّه دعوةٌ أصلاً، بل إن أعضاء مجلس الإدارة تفاجأوا بخبر «تعيين إدارة جديدة» وهم ما يزالون أحياء يرزقون، وفوجئوا باتهامهم بمخالفة مواد قانونية كانوا هم أحرص الناس على الالتزام بها. بدليل أن الجمعية كانت تجري انتخابات كل عامين بانتظام في السنوات الثمان الماضية، وتدعوكم في رسائل رسمية أرسلت بالبريد المسجل لحضور مندوبكم، لكنكم لم تبعثوا أحداً، بينما كانت الجمعيات الأهلية تستجيب مشكورةً للإشراف على الانتخابات، مثل «جمعية البحرين الشفافية».
الغريب جداً أن الجمعية كانت تنشر في الصحف أخبار الانتخابات وأسماء الفائزين وتوزيع المناصب، بكل شفافية في كل دورة انتخابية، وفجأةً تكتشف أن الوزارة تعتبرها الإدارة المنتخبة غير شرعية! كيف؟ لا أحد يدري!
راجعوا سياساتكم الخاطئة. اجلسوا مع الجمعيات. استمعوا للعاملين المتطوعين. فمن الخطأ أن تدعوكم الجمعيات للاجتماع بكم منذ أشهر ولا تستجيبون.
اضغط لقراءة المزيد من مقالات: قاسم حسين
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 4672 - الثلثاء 23 يونيو 2015م الموافق 07 رمضان 1436هـ