انقذوا محمية «رأس سند»
قاسم حسين
كانت دعوةً من بعض الأهالي للاطلاع على ما آلت إليه أوضاع منطقة سند الغنية بنبات القرم، المطلة على خليج توبلي.هذه المنطقة زرناها قبل عشرة أعوام، بقاربٍ صغيرٍ وفّره لنا أحد البحارة، حيث أبحر بنا بين أشجار القرم في أعماق هذا الجيب البحري الجميل.كان المنظر خلاباً، والماء رائقاً، والجو جميلاً، وكانت الرائحة الطيبة تنبعث من هذه الشجيرات التي يبلغ ارتفاع بعضها ثلاثة أمتار، بحيث تغطّي القارب وكأنه بين أشجار غابةٍ صغيرة. وكلما توغلنا داخلها، قل ارتفاع الماء، وحين توسطنا المنطقة، نزل مرافقنا إلى الماء ليدفع القارب، حيث يصل الماء إلى منتصف جسمه. وقبل الوصول إلى خط النهاية، أدار القارب لعدم إمكانية الاستمرار بسبب انخفاض منسوب المياه.كانت هذه هي الصورة الجميلة التي احتفظت بها قبل عشر سنين، لـ «رأس سند»، وحين عدنا إليها قبل أسبوع - وليتنا ما عدنا - شاهدنا منطقةً منكوبةً تشارف على الاحتضار، تشكو بأبلغ لسان، تقصير الجهات الرسمية وسياسة الإهمال.هذه المنطقة «رأس سند»، رسمياً «محمية طبيعية»، حسب القانون رقم 53 لسنة 2006م، وتقع ضمن خليج توبلي المسجّل بدوره ضمن قائمة الأراضي الرطبة ذات الأهمية الدولية، بموجب اتفاقية الأراضي الرطبة «رامسار»، التي صدّقت عليها حكومة البحرين. هذا هو القانون رسمياً، بينما الواقع أنها لم تكن محميةً إلا على الورق، وهي مهدّدة اليوم بالزوال، وإذا لم تقم الجهات الرسمية المسئولة بواجبها ومسئوليتها الوطنية، فلن تمرّ غير سنوات قلائل حتى تختفي هذه «المحمية» نهائياً من الوجود.المجلس الأعلى للبيئة أعلن مشكوراً العام الماضي، الانتهاء من مسودة نهائية لـ «مشروع رأس سند»، الذي يهدف إلى حماية «أشجار القرم» في رأس سند، واستثماره لأغراض علمية وتعليمية بصورة مستدامة. وذهب المقترح بعيداً للحلم بتشييد مركز للزوّار، يتألف من قاعة محاضرات ومتحف تاريخ طبيعي ومشتل لنبات القرم، مع ممشى معلق وبرج لمراقبة الطيور. وأشار الرئيس التنفيذي للمجلس محمد بن دينة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2015، إلى أن كلفة المشروع «عالية جداً»، ولا يستطيع المجلس تنفيذه لمحدودية موازنته.لو كانت مثل هذه البيئة الجميلة، في إحدى دول الخليج الأخرى، هل كانوا سيبخلون على تنفيذ مثل هذا المشروع؟ ولو امتلكوا خليجاً داخلياً جميلاً مثل خليج توبلي، تطلّ عليه عشرات القرى والمناطق السكنية، ويسكن على ضفافه عشرات الآلاف من المواطنين، هل كانوا سيسمحون بتدميره وردم أطرافه، وتحويله إلى مستنقعٍ كبيرٍ تصبّ فيه مياه المجاري ليل نهار؟حين تزور «رأس سند»، تصدمك حجم الكارثة، فمنسوب الماء بات ضحلاً، حتى بات المجرى مهدَّداً بالجفاف، والطحالب تغطي أكثر الأشجار، والأوساخ بمختلف أنواعها، من مخلّفات البناء والأحجار وقطع الطابوق، وأكياس البلاستيك... وإطارات السيارات والأخشاب مبعثرة هنا وهناك.«رأس سند» الذي يمتد لأكثر من 500 متر، «محمية» بموجب الاتفاقية الدولية التي صدّقت عليها البحرين، وهي كنزٌ طبيعي، وثروةٌ وطنيةٌ ينبغي المحافظة عليها، ويمكن تحويلها إلى معلم سياحي بعد تنظيفه وإقامة ممشى ومظلات وتشجير، وذلك لن يكلف الكثير. لكنه يحتاج إلى حملة وطنية وجهد مخلص كبير، تقودها الجهات المعنية المقصّرة منذ سنوات، من وزارة البلديات والأشغال وشئون الزراعة، إلى الهيئة العامة لحماية الثروة السمكية والبيئة والحياة الفطرية، إلى المجلس الأعلى للبيئة، فضلاً عن المنظمات الأهلية العاملة في مجال حماية البيئة، والمجتمع المحلي.الشعب لا يريد متحفاً طبيعياً ولا قاعة محاضرات، في هذه الفترة على الأقل، ولا يريد ممشى معلقاً أو برجاً لمراقبة الطيور، وإنما إنقاذ أشجار القرم وتنظيف المجرى المائي لإنقاذ محمية «رأس سند».صحيفة الوسط البحرينية - العدد 5014 - الإثنين 30 مايو 2016م